الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [ ومن حلق أربع شعرات فصاعدا, عامدا أو مخطئا فعليه صيام ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين, أو ذبح شاة أي ذلك فعل أجزأه ] الكلام في هذه المسألة في ستة فصول: أن على المحرم فدية إذا حلق رأسه ولا خلاف في ذلك قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على وجوب الفدية على من حلق وهو محرم بغير علة والأصل في ذلك قوله تعالى: أنه لا فرق بين العامد والمخطئ, ومن له عذر ومن لا عذر له في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي ونحوه عن الثوري وفيه وجه آخر لا فدية على الناسي وهو قول إسحاق, وابن المنذر لقوله عليه السلام: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان) ولنا أنه إتلاف فاستوى عمده وخطؤه, كقتل الصيد ولأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى به وهو معذور فكان ذلك تنبيها على وجوبها على غير المعذور, ودليلا على وجوبها على المعذور بنوع آخر مثل المحتجم الذي يحلق موضع محاجمه أو شعرا عن شجته, وفي معنى الناسي النائم الذي يقلع شعره أو يصوب شعره إلى تنور فيحرق لهب النار شعره ونحو ذلك. أن الفدية هي إحدى الثلاثة المذكورة في الآية والخبر, أيها شاء فعل لأنه أمر بها بلفظ التخيير ولا فرق في ذلك بين المعذور وغيره والعامد والمخطئ وهو مذهب مالك, والشافعي وعن أحمد أنه إذا حلق لغير عذر فعليه الدم من غير تخيير وهو مذهب أبي حنيفة لأن الله تعالى خير بشرط العذر, فإذا عدم الشرط وجب زوال التخيير ولنا أن الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له والتبع لا يخالف أصله, ولأن كل كفارة ثبت التخيير فيها إذا كان سببها مباحا ثبت كذلك إذا كان محظورا كجزاء الصيد ولا فرق بين قتله للضرورة إلى أكله, أو لغير ذلك وإنما الشرط لجواز الحلق لا للتخيير. القدر الذي يجب به الدم أربع شعرات فصاعدا وفيه رواية أخرى, يجب في الثلاث ما في حلق الرأس قال القاضي: هو المذهب وهو قول الحسن وعطاء وابن عيينة, والشافعي وأبي ثور لأنه شعر آدمي يقع عليه اسم الجمع المطلق فجاز أن يتعلق به الدم كالربع وقال أبو حنيفة: لا يجب الدم بدون ربع الرأس لأن الربع يقوم مقام الكل ولهذا إذا رأى رجلا يقول: رأيت فلانا وإنما رأى إحدى جهاته وقال مالك: إذا حلق من رأسه ما أماط به الأذى وجب الدم ووجه كلام الخرقي أن الأربع كثير, فوجب به الدم كالربع فصاعدا أما الثلاثة فهي آخر القلة وآخر الشيء منه فأشبه الشعرة والشعرتين والاستدلال بأن الربع يقع عليه اسم الكل غير صحيح فإن ذلك لا يتقيد بالربع وإنما هو مجاز يتناول الكثير والقليل. أن شعر الرأس وغيره سواء في وجوب الفدية لأن شعر غير الرأس يحصل بحلقه الترفه والتنظف, فأشبه الرأس فإن حلق من شعر رأسه وبدنه ففي الجميع فدية واحدة وإن كثر وإن حلق من رأسه شعرتين, ومن بدنه شعرتين فعليه دم واحد هذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي الخطاب, ومذهب أكثر الفقهاء وذكر أبو الخطاب أن فيها روايتين إحداهما كما ذكرنا والثانية أنه إذا قلع من شعر رأسه وبدنه ما يجب الدم بكل واحد منهما منفردا ففيهما دمان وهو الذي ذكره القاضي وابن عقيل لأن الرأس يخالف البدن بحصول التحلل به دون البدن ولنا أن الشعر كله جنس واحد في البدن, فلم تتعدد الفدية فيه باختلاف مواضعه, كسائر البدن وكاللباس ودعوى الاختلاف تبطل باللباس فإنه يجب كشف الرأس, دون غيره والجزاء في اللبس فيهما واحد. أن الفدية الواجبة بحلق الشعر هي المذكورة في حديث كعب بن عجرة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احلق رأسك, وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين, نصف صاع أو انسك شاة) وفي لفظ: (أو أطعم فرقا بين ستة مساكين) متفق عليه وفي لفظ: (أو أطعم ستة مساكين بين كل مسكينين صاع) وفي لفظ: (فصم ثلاثة أيام وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين) رواه كله أبو داود وبهذا قال مجاهد والنخعي, وأبو مجلز والشافعي ومالك, وأصحاب الرأي وقال الحسن وعكرمة ونافع: الصيام عشرة أيام, والصدقة على عشرة مساكين ويروى ذلك عن الثوري وأصحاب الرأي قالوا: يجزئ من البر نصف صاع لكل مسكين, ومن التمر والشعير صاع صاع واتباع السنة أولى. ويجزئ البر والشعير والزبيب في الفدية لأن كل موضع أجزأ فيه التمر أجزأ فيه ذلك كالفطرة وكفارة اليمين وقد روى أبو داود, في حديث كعب بن عجرة قال: (فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام, أو أطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو انسك شاة) رواه أبو داود ولا يجزئ من هذه الأصناف أقل من ثلاثة آصع إلا البر ففيه روايتان: إحداهما, مد من بر لكل مسكين مكان نصف صاع من غيره كما في كفارة اليمين والثانية, لا يجزئ إلا نصف صاع لأن الحكم ثبت فيه بطريق التنبيه أو القياس والفرع يماثل أصله ولا يخالفه وبهذا قال مالك والشافعي. وإذا حلق ثم حلق, فالواجب فدية واحدة ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني فإن كفر عن الأول ثم حلق ثانيا, فعليه للثاني كفارة أيضا وكذلك الحكم فيما إذا لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب أو كرر من محظورات الإحرام اللاتي لا يزيد الواجب فيها بزيادتها, ولا يتقدر بقدرها فأما ما يتقدر الواجب بقدره وهو إتلاف الصيد, ففي كل واحد منها جزاؤه وسواء فعله مجتمعا أو متفرقا ولا تداخل فيه, ففعل المحظورات متفرقا كفعلها مجتمعة في الفدية ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني وعن أحمد أنه إن كرره لأسباب مثل أن لبس للبرد, ثم لبس للحر ثم لبس للمرض فكفارات, وإن كان لسبب واحد فكفارة واحدة وقد روى عنه الأثرم في من لبس قميصا وجبة وعمامة وغير ذلك, لعلة واحدة قلت له: فإن اعتل فلبس جبة ثم برئ, ثم اعتل فلبس جبة؟ فقال: هذا الآن عليه كفارتان وعن الشافعي كقولنا وعنه: لا يتداخل وقال مالك: تتداخل كفارة الوطء دون غيره وقال أبو حنيفة: إن كرره في مجلس واحد فكفارة واحدة وإن كان في مجالس فكفارات لأن حكم المجلس الواحد حكم الفعل الواحد بخلاف غيره ولنا, أن ما يتداخل إذا كان بعضه عقيب بعض يجب أن يتداخل وإن تفرق كالحدود وكفارة الأيمان ولأن الله تعالى أوجب في حلق الرأس فدية واحدة, ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو في دفعات والقول بأنه لا يتداخل غير صحيح فإنه إذا حلق رأسه لا يمكن إلا شيئا بعد شيء. فأما جزاء الصيد فلا يتداخل, ويجب في كل صيد جزاؤه سواء وقع متفرقا أو في حال واحدة وعن أحمد أنه يتداخل, قياسا على سائر المحظورات ولا يصح لأن الله تعالى قال: إذا حلق المحرم رأس حلال أو قلم أظفاره فلا فدية عليه وبذلك قال عطاء, ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وقال سعيد بن جبير في محرم قص شارب حلال: يتصدق بدرهم وقال أبو حنيفة: يلزمه صدقة لأنه أتلف شعر آدمي, فأشبه شعر المحرم ولنا أنه شعر مباح الإتلاف فلم يجب بإتلافه شيء, كشعر بهيمة الأنعام. وإن حلق محرم رأس محرم بإذنه فالفدية على من حلق رأسه وكذلك إن حلقه حلال بإذنه لأن الله تعالى قال: إذا قلع جلدة عليها شعر فلا فدية عليه لأنه زال تابعا لغيره, والتابع لا يضمن كما لو قلع أشفار عيني إنسان فإنه لا يضمن أهدابهما. وإذا خلل شعره فسقطت شعرة, فإن كانت ميتة فلا فدية فيها وإن كانت من شعره النابت ففيها الفدية وإن شك فيها فلا فدية فيها لأن الأصل نفي الضمان إلى أن يحصل يقين. قال: [ وفي كل شعرة من الثلاث مد من طعام ] يعني إذا حلق دون الأربع, فعليه في كل شعرة مد من طعام وهذا قول الحسن وابن عيينة والشافعي فيما دون الثلاث وعن أحمد, في الشعرة درهم وفي الشعرتين درهمان وعنه في كل شعرة قبضة من طعام وروي ذلك عن عطاء, ونحوه عن مالك وأصحاب الرأي قال مالك عليه فيما قل من الشعر إطعام طعام وقال أصحاب الرأي: يتصدق بشيء لأنه لا تقدير فيه فيجب فيه أقل ما يقع عليه اسم الصدقة وعن مالك, في من أزال شعرا يسيرا: لا ضمان عليه لأن النص إنما أوجب الفدية في حلق الرأس كله فألحقنا به ما يقع عليه اسم الرأس ولنا أن ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه, كالصيد والأولى أن يجب الإطعام لأن الشارع إنما عدل عن الحيوان إلى الإطعام في جزاء الصيد وها هنا أوجب الإطعام مع الحيوان على وجه التخيير, فيجب أن يرجع إليه فيما لا يجب فيه الدم ويجب مد لأنه أقل ما وجب بالشرع فدية فكان واجبا في أقل الشعر, والطعام الذي يجزئ فيه إخراجه وهو ما يجزئ في حلق الرأس ابتداء من البر والشعير والتمر والزبيب كالذي يجب في الأربع. ومن أبيح له حلق رأسه لأذى به, فهو مخير في الفدية قبل الحلق وبعده نص عليه أحمد لما روي أن الحسين بن علي اشتكى رأسه فأتى علي فقيل له: هذا الحسين يشير إلى رأسه فدعا بجزور فنحرها ثم حلقه وهو بالسعياء رواه أبو إسحاق الجوزجاني ولأنها كفارة, فجاز تقديمها على وجوبها ككفارة الظهار واليمين. قال: [ وكذلك الأظفار ] قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم وهو قول حماد, ومالك والشافعي وأبي ثور, وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عطاء وعنه: لا فدية عليه لأن الشرع لم يرد فيه بفدية ولنا أنه أزال ما منع إزالته لأجل الترفه فوجبت عليه الفدية, كحلق الشعر وعدم النص فيه لا يمنع قياسه عليه كشعر البدن مع شعر الرأس والحكم في فدية الأظفار كالحكم في فدية الشعر سواء في أربعة منها دم وعنه في ثلاثة دم وفي الظفر الواحد مد من طعام, وفي الظفرين مدان على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف فيه وقول الشافعي وأبي ثور كذلك وقال أبو حنيفة: لا يجب الدم إلا بتقليم أظفار يد كاملة حتى لو قلم من كل يد أربعة لا يجب عليه الدم لأنه لم يستكمل منفعة اليد, أشبه الظفر والظفرين ولنا أنه قلم ما يقع عليه اسم الجمع أشبه ما لو قلم خمسا من يد واحدة وما قالوه يبطل بما إذا حلق ربع رأسه, فإنه لم يستوف منفعة العضو ويجب به الدم وقولهم يؤدي إلى أن يجب به الدم في القليل دون الكثير إذا ثبت هذا فإنه يتخير من قلم ما يجب به الدم بين الثلاثة أشياء, كما قلنا في الشعر لأن الإيجاب في الأظفار بالإلحاق بالشعر فيكون حكم الفرع حكم أصله ولا يجب فيما دون الأربعة أو الثلاثة بقسطه من الدم لأن العبادة إذا وجب فيها الحيوان لم يجب فيها جزء منه, كالزكاة وفي قص بعض الظفر ما في جميعه وكذلك في قطع بعض الشعرة مثل ما في قطع جميعها لأن الفدية تجب في الشعرة والظفر سواء, طال أو قصر وليس بمقدر بمساحة فيتقدر الضمان عليه, بل هو كالموضحة يجب في الصغيرة منها مثل ما يجب في الكبيرة وخرج ابن عقيل وجها أنه يجب بحساب المتلف كالإصبع يجب في أنملتها ثلث ديتها والله أعلم. قال: [ وإن تطيب المحرم عامدا, غسل الطيب وعليه دم وكذلك إن لبس المخيط أو الخف عامدا وهو يجد النعل, خلع وعليه دم ] لا خلاف في وجوب الفدية على المحرم إذا تطيب أو لبس عامدا لأنه ترفه بمحظور في إحرامه, فلزمته الفدية كما لو ترفه بحلق شعره أو قلم ظفره والواجب عليه أن يفديه بدم, ويستوي في ذلك قليل الطيب وكثيره وقليل اللبس وكثيره وبذلك قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجب الدم إلا بتطييب عضو كامل وفي اللباس بلباس يوم وليلة, ولا شيء فيما دون ذلك لأنه لم يلبس لبسا معتادا فأشبه ما لو اتزر بالقميص ولنا أنه متى حصل به الاستمتاع بالمحظورات فاعتبر مجرد الفعل كالوطء, محظورا فلا تتقدر فديته بالزمن كسائر المحظورات, وما ذكروه غير صحيح فإن الناس يختلفون في اللبس في العادة ولأن ما ذكروه تقدير والتقديرات بابها التوقيف, وتقديرهم بعضو ويوم وليلة تحكم محض وأما إذا ائتزر بقميص فليس ذلك بلبس مخيط ولهذا لا يحرم عليه, والمختلف فيه محرم. ويلزمه غسل الطيب وخلع اللباس لأنه فعل محظورا فيلزمه إزالته وقطع استدامته, كسائر المحظورات والمستحب أن يستعين في غسل الطيب بحلال لئلا يباشر المحرم الطيب بنفسه ويجوز أن يليه بنفسه ولا شيء عليه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للذي رأى عليه طيبا أو خلوقا: (اغسل عنك الطيب) ولأنه تارك له, فإن لم يجد ما يغسله به مسحه بخرقة أو حكه بتراب أو ورق أو حشيش لأن الذي عليه إزالته بحسب القدرة, وهذا نهاية قدرته. إذا احتاج إلى الوضوء وغسل الطيب ومعه ماء لا يكفي إلا أحدهما قدم غسل الطيب وتيمم للحدث لأنه لا رخصة في إبقاء الطيب, وفي ترك الوضوء إلى التيمم رخصة فإن قدر على قطع رائحة الطيب بغير الماء فعل وتوضأ لأن المقصود من إزالة الطيب قطع رائحته فلا يتعين الماء, والوضوء بخلافه. إذا لبس قميصا وعمامة وسراويل وخفين لم يكن عليه إلا فدية واحدة لأنه محظور من جنس واحد فلم يجب فيه أكثر من فدية واحدة, كالطيب في بدنه ورأسه ورجليه. وإن فعل محظورا من أجناس فحلق ولبس, وتطيب ووطئ فعليه لكل واحد فدية, سواء فعل ذلك مجتمعا أو متفرقا وهذا مذهب الشافعي وعن أحمد أن في الطيب واللبس والحلق فدية واحدة وإن فعل ذلك واحدا بعد واحد فعليه لكل واحد دم وهو قول إسحاق وقال عطاء, وعمرو بن دينار: إذا حلق ثم احتاج إلى الطيب أو إلى قلنسوة أو إليهما, ففعل ذلك فليس عليه إلا فدية واحدة وقال الحسن: إن لبس القميص وتعمم وتطيب فعل ذلك جميعا, فليس عليه إلا كفارة واحدة ونحو ذلك عن مالك ولنا أنها محظورات مختلفة الأجناس فلم تتداخل أجزاؤها, كالحدود المختلفة والأيمان المختلفة وعكسه ما إذا كان من جنس واحد. قال: [ وإن لبس أو تطيب ناسيا فلا فدية عليه, ويخلع اللباس ويغسل الطيب ويفرغ إلى التلبية ] المشهور في المذهب أن المتطيب أو اللابس ناسيا أو جاهلا لا فدية عليه وهو مذهب عطاء, والثوري وإسحاق وابن المنذر وقال أحمد قال سفيان: ثلاثة في الجهل والنسيان سواء إذا أتى أهله, وإذا أصاب صيدا وإذا حلق رأسه قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه لأنه شيء لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده, والشعر إذا حلقه فقد ذهب فهذه الثلاثة العمد والخطأ والنسيان فيها سواء وكل شيء من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده, مثل إذا غطى المحرم رأسه ثم ذكر ألقاه عن رأسه وليس عليه شيء, أو لبس خفا نزعه وليس عليه شيء وعنه رواية أخرى, أن عليه الفدية في كل حال وهو مذهب مالك والليث والثوري, وأبي حنيفة لأنه هتك حرمة الإحرام فاستوى عمده وسهوه كحلق الشعر, وتقليم الأظفار ولنا عموم قوله عليه السلام: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان, وما استكرهوا عليه) وروى يعلى بن أمية (أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق, أو قال: أثر صفرة فقال يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: اخلع عنك هذه الجبة, واغسل عنك أثر هذا الخلوق أو قال: أثر الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك) متفق عليه وفي لفظ قال: يا رسول الله (أحرمت بالعمرة, وعلي هذه الجبة) فلم يأمره بالفدية مع مسألته عما يصنع وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز إجماعا دل على أنه عذره لجهله, والجاهل والناسي واحد ولأن الحج عبادة يجب بإفسادها الكفارة فكان من محظوراته أنه ما يفرق بين عمده وسهوه, كالصوم فأما الحلق وقتل الصيد فهو إتلاف لا يمكن رد تلافيه, بإزالته إذا ثبت هذا فإن الناسي متى ذكر فعليه غسل الطيب وخلع اللباس في الحال, فإن أخر ذلك عن زمن الإمكان فعليه الفدية فإن قيل: فلم لا يجوز له استدامة الطيب ها هنا كالذي يتطيب قبل إحرامه؟ قلنا: لأن ذلك فعل مندوب إليه, فكان له استدامته وها هنا هو محرم وإنما سقط حكمه بالنسيان أو الجهل, فإذا زال ظهر حكمه وإن تعذر عليه إزالته لإكراه أو علة ولم يجد من يزيله, وما أشبه ذلك فلا فدية عليه وجرى مجرى المكره على الطيب ابتداء وحكم الجاهل إذا علم, حكم الناسي إذا ذكر وحكم المكره حكم الناسي فإن ما عفي عنه بالنسيان, عفي عنه بالإكراه لأنهما قرينان في الحديث الدال على العفو عنهما وقول الخرقي: (يفرغ إلى التلبية) أي يلبي حين ذكر استذكارا للحج أنه نسيه واستشعارا بإقامته عليه ورجوعه إليه وهذا قول يروى عن إبراهيم النخعي. قال: [ ولو وقف بعرفة نهارا أو دفع قبل الإمام, فعليه دم ] وجملة ذلك أن من وقف بعرفة يوم عرفة نهارا وجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف فإن دفع قبل الغروب ولم يعد حتى غربت الشمس فعليه دم وقال الشافعي: لا يجب ذلك, ولا دم عليه إن دفع قبل الغروب احتجاجا بحديث عروة بن مضرس ولأنه أدرك من الوقوف ما أجزأه أشبه ما لو أدرك الليل منفردا ولنا, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف حتى غربت الشمس بغير خلاف وقد قال: (خذوا عني مناسككم) فإذا تركه لزمه دم لقول ابن عباس ولأنه ركن لم يأت به على الوجه المشروع, فلزمه دم كما لو أحرم من دون الميقات وحديثهم دل على الإجزاء, والكلام في وجوب الدم فأما إذا وقف في الليل خاصة فإنه يجزئه ولا يلزمه دم لأن من أدرك الليل وحده لا يمكنه الوقوف نهارا فلا يتعين عليه, ولا يجب عليه بتركه دم بخلاف من أدرك نهارا وأما قوله: (أو دفع قبل الإمام) فظاهره أنه أوجب بذلك دما وإن دفع قبل الغروب وقد روى الأثرم, عن أحمد قال: سمعته يسأل عن رجل دفع قبل الإمام من عرفة بعدما غابت الشمس؟ فقال: ما وجدت أحدا سهل فيه كلهم يشدد فيه قال: وما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام, وعن عطاء عليه شاة إذا دفع قبل الإمام قيل: فيدفع من مزدلفة قبل الإمام؟ فقال: المزدلفة عندي غير عرفة وذكر حديث ابن عمر أنه دفع قبل ابن الزبير وغير الخرقي من أصحابنا لم يوجب بذلك شيئا, ولا عد الدفع مع الإمام من الواجبات وهو الصحيح فإن اتباع الإمام وأفعال النسك معه ليس بواجب في سائر مناسك الحج فكذا ها هنا, وإنما وقع دفع الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بحكم العادة فلا يدل على الوجوب كالدفع معه من مزدلفة, والإفاضة من منى وغير ذلك وليس ذلك فعلا للنبي -صلى الله عليه وسلم-, فيدخل في عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (خذوا عني مناسككم). قال: [ ومن دفع من مزدلفة قبل نصف الليل من غير الرعاة وأهل سقاية الحاج فعليه دم ] وجملة ذلك أن المبيت بمزدلفة واجب يجب بتركه دم, سواء تركه عمدا أو خطأ عالما أو جاهلا لأنه ترك نسكا وللنسيان أثره في ترك الموجود كالمعدوم, لا في جعل المعدوم كالموجود إلا أنه رخص لأهل السقاية ورعاة الإبل في ترك البيتوتة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص للرعاة في ترك البيتوتة في حديث عدي, وأرخص للعباس في المبيت لأجل سقايته ولأن عليهم مشقة في المبيت لحاجتهم إلى حفظ مواشيهم وسقي الحاج, فكان لهم ترك المبيت فيها كليالي منى ولأنها ليلة يرمى في غدها, فكان لهم ترك المبيت فيها كليالي منى وروي عن أحمد أن المبيت بمزدلفة غير واجب, ولا شيء على تاركه والأول المذهب. قال: [ ومن قتل وهو محرم من صيد البر عامدا أو مخطئا فداه بنظيره من النعم, إن كان المقتول دابة ] في هذه المسألة فصول ستة: في وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد في الجملة وأجمع أهل العلم على وجوبه ونص الله تعالى عليه بقوله: أنه لا فرق بين الخطأ والعمد في قتل الصيد في وجوب الجزاء على إحدى الروايتين وبه قال الحسن, وعطاء والنخعي ومالك, والثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال الزهري: على المتعمد بالكتاب, وعلى المخطئ بالسنة والرواية الثانية لا كفارة في الخطأ وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير, وطاوس وابن المنذر وداود لأن الله تعالى قال: أن الجزاء لا يجب إلا على المحرم ولا فرق بين إحرام الحج وإحرام العمرة لعموم النص فيهما ولا خلاف في ذلك ولا فرق بين الإحرام بنسك واحد, وبين الإحرام بنسكين وهو القارن لأن الله تعالى لم يفرق بينهما. أن الجزاء لا يجب إلا بقتل الصيد لأنه الذي ورد به النص بقوله تعالى: أن الجزاء إنما يجب في صيد البر دون صيد البحر بغير خلاف لقول الله تعالى: أن جزاء ما كان دابة من الصيد نظيره من النعم هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وقال أبو حنيفة: الواجب القيمة ويجوز فيها المثل لأن الصيد ليس بمثلي ولنا قول الله تعالى: قال أصحابنا: في كبير الصيد مثله من النعم وفي الصغير صغير, وفي الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى وفي الصحيح صحيح, وفي المعيب معيب وبهذا قال الشافعي وقال مالك: في الصغير كبير وفي المعيب صحيح لأن الله تعالى قال: فإن قتل ماخضا فقال القاضي: يضمنها بقيمة مثلها وهو مذهب الشافعي لأن قيمته أكثر من قيمة لحمه وقال أبو الخطاب: يضمنها بماخض مثلها لأن الله تعالى قال: وإن أتلف جزءا من الصيد وجب ضمانه لأن جملته مضمونة فكان بعضه مضمونا كالآدمي, والأموال ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا ينفر صيدها) فالجرح أولى بالنهي والنهي يقتضي تحريمه وما كان محرما من الصيد وجب ضمانه كنفسه, ويضمن بمثله من مثله في أحد الوجهين لأن ما وجب ضمان جملته بالمثل وجب في بعضه مثله, كالمكيلات والآخر يجب قيمة مقداره من مثله لأن الجزاء يشق إخراجه فيمنع إيجابه ولهذا عدل الشارع عن إيجاب جزء من بعير في خمس من الإبل إلى إيجاب شاة من غير جنس الإبل والأول أولى لأن المشقة ها هنا غير ثابتة لوجود الخيرة له في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام, فينتفي المانع فيثبت مقتضى الأصل وهذا إذا اندمل الصيد ممتنعا فإن اندمل غير ممتنع ضمنه جميعه لأنه عطله, فصار كالتالف ولأنه مفض إلى تلفه فصار كالجارح له جرحا يتيقن به موته وهذا مذهب أبي حنيفة ويتخرج أن يضمنه بما نقص لأنه لا يضمن ما لم يتلف, ولم يتلف جميعه بدليل ما لو قتله محرم آخر لزمه الجزاء ومن أصلنا أن على المشتركين جزاء واحدا وضمانه بجزاء كامل يفضي إلى إيجاب جزاءين وإن غاب غير مندمل, ولم يعلم خبره والجراحة موجبة فعليه ضمان جميعه كما لو قتله وإن كانت غير موجبة, فعليه ضمان ما نقص ولا يضمن جميعه لأننا لا نعلم حصول التلف بفعله فلم يضمن, كما لو رمى سهما إلى صيد فلم يعلم أوقع به أم لا وكذلك إن وجده ميتا, ولم يعلم أمات من الجناية أم من غيرها ويحتمل أن يلزمه ضمانه ها هنا لأنه وجد سبب إتلافه منه ولم يعلم له سبب آخر فوجب إحالته على السبب المعلوم, كما لو وقع في الماء نجاسة فوجده متغيرا تغيرا يصلح أن يكون منها فإننا نحكم بنجاسته, وكذلك لو رمى صيدا فغاب عن عينه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه, حل أكله وإن صيرته الجناية غير ممتنع فلم يعلم أصار ممتنعا أم لا فعليه ضمان جميعه لأن الأصل عدم الامتناع. وإن جرح صيدا, فتحامل فوقع في شيء تلف به ضمنه لأنه تلف بسببه وكذلك إن نفره, فتلف في حال نفوره ضمنه فإن سكن في مكان وأمن من نفوره, ثم تلف لم يضمنه وقد ذكرنا وجها آخر أن يضمنه في المكان الذي انتقل إليه لما روى الشافعي في " مسنده ", عن عمر رضي الله عنه أنه دخل دار الندوة فألقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام, فأطاره فوقع على واقف فانتهزته حية فقتلته, فقال لعثمان بن عفان ونافع بن عبد الحارث: إني وجدت في نفسي إني أطرته من منزل كان فيه آمنا إلى موقعة كان فيها حتفه فقال نافع لعثمان: كيف ترى في عنز ثنية عفراء, يحكم بها على أمير المؤمنين؟ فقال عثمان: أرى ذلك فأمر بها عمر رضي الله عنه. وكل ما يضمن به الآدمي يضمن به الصيد من مباشرة, أو بسبب وما جنت عليه دابته بيدها أو فمها من الصيد فالضمان على راكبها, أو قائدها أو سائقها وما جنت برجلها, فلا ضمان عليه لأنه لا يمكن حفظ رجلها وقال القاضي: يضمن السائق جميع جنايتها لأن يده عليها ويشاهد رجلها وقال ابن عقيل: لا ضمان عليه في الرجل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الرجل جبار) وإن انقلبت فأتلفت صيدا لم يضمنه لأنه لا يدل عليها, وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العجماء جبار) وكذلك لو أتلفت آدميا لم يضمنه ولو نصب المحرم شبكة أو حفر بئرا, فوقع فيها صيد ضمنه لأنه بسببه كما يضمن الآدمي, إلا أن يكون حفر البئر بحق كحفره في داره أو في طريق واسع ينتفع بها المسلمون, فينبغي أن لا يضمن ما تلف به كما لا يضمن الآدمي وإن نصب شبكة قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه, لم يضمنه لأنه لم يوجد منه بعد إحرامه تسبب إلى إتلافه أشبه ما لو صاده قبل إحرامه وتركه في منزله, فتلف بعد إحرامه أو باعه وهو حلال فذبحه المشتري. قال: [ وإن كان طائرا فداه بقيمته في موضعه ] قوله: " بقيمته في موضعه " يعني يجب قيمته في المكان الذي أتلفه فيه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب ضمان الصيد من الطير, إلا ما حكي عن داود أنه لا يضمن ما كان أصغر من الحمام لأن الله تعالى قال: ويضمن بيض الصيد بقيمته, أي صيد كان قال ابن عباس: في بيض النعام قيمته وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وبه قال النخعي والزهري, والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه يروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (في بيض النعام قيمته) مع أن النعام من ذوات الأمثال, فغيره أولى ولأن البيض لا مثل له فيجب قيمته, كصغار الطير فإن لم يكن له قيمة لكونه مذرا أو لأن فرخه ميت, فلا شيء فيه قال أصحابنا: إلا بيض النعام فإن لقشره قيمة والصحيح أنه لا شيء فيه لأنه إذا لم يكن فيه حيوان ولا مآله إلى أن يصير منه حيوان صار كالأحجار والخشب, وسائر ما له قيمة من غير الصيد ألا ترى أنه لو نقب بيضة فأخرج ما فيها, لزمه جزاء جميعها ثم لو كسرها هو أو غيره لم يلزمه لذلك شيء ومن كسر بيضة, فخرج منها فرخ حي فعاش فلا شيء فيه, وإن مات ففيه ما في صغار أولاد المتلف بيضه ففي فرخ الحمام صغير أولاد الغنم وفي فرخ النعامة حوار, وفيما عداهما قيمته ولا يحل لمحرم أكل بيض الصيد إذا كسره هو أو محرم سواه وإن كسره حلال فهو كلحم الصيد إن كان أخذه لأجل المحرم لم يبح له أكله, وإلا أبيح وإن كسر بيض صيد لم يحرم على الحلال لأن حله لا يقف على كسره ولا يعتبر له أهلية, بل لو كسره مجوسي أو وثني أو بغير تسمية لم يحرم, فأشبه قطع اللحم وطبخه وقال القاضي: يحرم على الحلال أكله كما لو ذبح الصيد لأن كسره جرى مجرى الذبح بدليل حله للمحرم بكسر الحلال له وإن نقل بيض صيد فجعله تحت آخر, أو ترك مع بيض الصيد بيضا آخر أو شيئا نفره عن بيضه حتى فسد فعليه ضمان لأنه تلف بسببه, وإن صح وفرخ فلا ضمان عليه وإن باض الصيد على فراشه فنقله برفق ففسد ففيه وجهان, بناء على أن الجراد إذا انفرش في طريقه وحكم بيض الجراد وإن احتلب لبن صيد ففيه قيمة, كما لو حلب لبن حيوان مغصوب. فصل: إذا نتف محرم ريش طائر إذا نتف محرم ريش طائر ففيه ما نقص وبهذا قال الشافعي وأبو ثور, وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الجزاء جميعه ولنا أنه نقصه نقصا يمكن زواله فلم يضمنه بكماله, كما لو جرحه فإن حفظه فأطعمه وسقاه, حتى عاد ريشه فلا ضمان عليه لأن النقص زال فأشبه ما لو اندمل الجرح وقيل: عليه قيمة الريش لأن الثاني غير الأول, فإن صار غير ممتنع بنتف ريشه واندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه, كالجرح فإن غاب غير مندمل ففيه ما نقص كالجرح سواء, وقد ذكرنا ثم احتمالا فهاهنا مثله. قال: [ إلا أن تكون نعامة فيكون فيها بدنة، أو حمامة وما أشبهها فيكون في كل واحد منها شاة ] هذا متعلق بقوله: " وإن كان طائرا فداه بقيمته في موضعه " واستثنى النعامة من الطائر لأنها ذات جناحين وتبيض فهي كالدجاج والإوز أوجب فيها بدنة لأن عمر, وعليا وعثمان وزيد بن ثابت, وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم حكموا فيها ببدنة وبه قال عطاء, ومجاهد ومالك والشافعي, وأكثر أهل العلم وحكي عن النخعي أن فيها قيمتها وبه قال أبو حنيفة وخالفه صاحباه واتباع النص في قوله تعالى: وما كان أكبر من الحمام كالحبارى والكركي, والكروان والحجل والإوز الكبير من طير الماء ففيه وجهان أحدهما, فيه شاة لأنه روي عن ابن عباس وجابر وعطاء, أنهم قالوا: في الحجلة والقطاة والحبارى شاة شاة وزاد عطاء: في الكركي والكروان وابن الماء ودجاج الحبش والحرب شاة شاة والحرب: هو فرخ الحبارى لأن إيجاب الشاة في الحمام تنبيه على إيجابها فيما هو أكبر منه والوجه الثاني فيه قيمته, وهو مذهب الشافعي لأن القياس يقتضي وجوبها في جميع الطير تركناه في الحمام لإجماع الصحابة رضي الله عنهم ففي غيره يرجع إلى الأصل. قال: [ وهو مخير, إن شاء فداه بالنظير أو قوم النظير بدراهم ونظر كم يجيء به طعاما, فأطعم كل مسكين مدا أو صام عن كل مد يوما معسرا كان أو موسرا ] في هذه المسألة أربعة فصول:: إن قاتل الصيد مخير في الجزاء بأحد هذه الثلاثة, بأيها شاء كفر موسرا كان أو معسرا وبهذا قال مالك والشافعي, وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية ثانية أنها على الترتيب فيجب المثل أولا, فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام وروي هذا عن ابن عباس والثوري لأن هدي المتعة على الترتيب وهذا أوكد منه لأنه بفعل محظور وعنه رواية ثالثة, أنه لا إطعام في الكفارة وإنما ذكر في الآية ليعدل الصيام لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح هكذا قال ابن عباس وهذا قول الشعبي وأبي عياض ولنا, قول الله تعالى: إذا اختار المثل, ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم لأن الله تعالى قال: أنه متى اختار الإطعام فإنه يقوم المثل بدراهم, والدراهم بطعام ويتصدق به على المساكين وبهذا قال الشافعي وقال مالك: يقوم الصيد لا المثل لأن التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف قوم المتلف, كالذي لا مثل له ولنا أن كل ما تلف وجب فيه المثل إذا قوم لزمت قيمة مثله كالمثلي من مال الآدمي, ويعتبر قيمة المثل في الحرم لأنه يحل إحرامه ولا يجزئ إخراج القيمة لأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ليست القيمة منها والطعام المخرج هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأذى, وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب ويحتمل أن يجزئ كل ما يسمى طعاما لدخوله في إطلاق اللفظ ويعطى كل مسكين مدا من البر كما يدفع إليه في كفارة اليمين, فأما بقية الأصناف فنصف صاع لكل مسكين نص عليه أحمد فقال في إطعام المساكين في الفدية وجزاء كفارة اليمين: إن أطعم برا, فمد طعام لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع لكل مسكين وأطلق الخرقي لكل مسكين ولم يفرق والأولى أنه لا يجزئ من غير البر أقل من نصف صاع إذ لم يرد الشرع في موضع بأقل من ذلك في طعمة المساكين, ولا توقيف فيه فيرد إلى نظائره ولا يجزئ إخراج لمساكين الحرم لأن قيمة الهدي الواجب لهم فيكون أيضا لهم كقيمة المثلي من مال الآدمي. فعن أحمد أنه يصوم عن كل مد يوما وهو ظاهر قول عطاء, ومالك والشافعي لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام فكان اليوم في مقابلة المد, ككفارة الظهار وعن أحمد أنه يصوم عن كل نصف صاع يوما وهو قول ابن عقيل والحسن, والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر قال القاضي: المسألة رواية, واحدة واليوم عن مد بر أو نصف صاع من غيره وكلام أحمد في الروايتين محمول على اختلاف الحالين لأن صوم اليوم مقابل بإطعام المسكين, وإطعام المسكين مد بر أو نصف صاع من غيره ولأن الله تعالى جعل اليوم في كفارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين فكذا ها هنا وروي عن أبي ثور, أن جزاء الصيد من الطعام والصيام مثل كفارة الأذى وروي ذلك عن ابن عباس ولنا أنه جزاء عن متلف فاختلف باختلافه كبدل مال الآدمي, وإذا بقي ما لا يعدل كدون المد صام يوما كاملا كذلك قال عطاء والنخعي, وحماد والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحدا خالفهم لأن الصوم لا يتبعض, فيجب تكميله ولا يجب التتابع في الصيام وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن الله تعالى أمر به مطلقا فلا يتقيد بالتتابع من غير دليل ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء, ويطعم عن بعض نص عليه أحمد وبه قال الشافعي والثوري وإسحاق, وأبو ثور وابن المنذر وجوزه محمد بن الحسن إذا عجز عن بعض الإطعام ولا يصح لأنها كفارة واحدة فلا يؤدي بعضها بالإطعام وبعضها بالصيام, كسائر الكفارات. وما لا مثل له من الصيد يخير قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاما فيطعمه للمساكين, وبين أن يصوم وهل يجوز إخراج القيمة؟ فيه احتمالان أحدهما لا يجوز وهو ظاهر قول أحمد في رواية حنبل, فإنه قال: إذا أصاب المحرم صيدا ولم يصب له عدلا يحكم به عليه قوم طعاما إن قدر على طعام وإلا صام لكل نصف صاع يوما هكذا يروى عن ابن عباس ولأنه جزاء صيد, فلم يجز إخراج القيمة فيه كالذي له مثل ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ليس بها القيمة وإذا عدم أحد الثلاثة يبقى التخيير بين الشيئين الباقيين, فأما إيجاب شيء غير المنصوص فلا الثاني يجوز إخراج القيمة لأن عمر رضي الله عنه قال لكعب: ما جعلت على نفسك؟ قال: درهمين قال: اجعل ما جعلت على نفسك وقال عطاء: في العصفور نصف درهم وظاهره إخراج الدراهم الواجبة. قال: [ وكلما قتل صيدا حكم عليه ] معناه أنه يجب الجزاء بقتل الصيد الثاني كما يجب عليه إذا قتله ابتداء وفي هذه المسألة عن أحمد ثلاث روايات إحداهن, أنه يجب في كل صيد جزاء وهذا ظاهر المذهب قال أبو بكر: هذا أولى القولين بأبي عبد الله وبه قال الثوري والشافعي, وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي والثانية, لا يجب إلا في المرة الأولى وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال شريح والحسن, وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي, وقتادة لأن الله تعالى قال: ويجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته نص عليه أحمد لأنها كفارة فجاز تقديمها على الموت, ككفارة قتل الآدمي ولأنها كفارة فأشبهت كفارة الظهار واليمين. قال: [ ولو اشترك جماعة في قتل صيد, فعليهم جزاء واحد ] يروى عن أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات إحداهن أن الواجب جزاء واحد وهو الصحيح ويروى هذا عن عمر بن الخطاب وابن عباس, وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال عطاء والزهري والنخعي, والشعبي والشافعي وإسحاق والثانية, على كل واحد جزاء رواهما ابن أبي موسى واختارها أبو بكر وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة ويروى عن الحسن لأنها كفارة قتل يدخلها الصوم, أشبهت كفارة قتل الآدمي والثالثة إن كان صوما صام كل واحد صوما تاما وإن كان غير ذلك فجزاء واحد, وإن كان أحدهما هدي والآخر صوم فعلى المهدى بحصته وعلى الآخر صوم تام لأن الجزاء ليس بكفارة, وإنما هو بدل بدليل أن الله تعالى عطف عليه الكفارة فقال الله تعالى: فإن كان شريك المحرم حلالا أو سبعا فلا شيء على الحلال ويحكم على الحرام ثم إن كان جرح أحدهما قبل صاحبه, والسابق الحلال أو السبع فعلى المحرم جزاؤه مجروحا وإن كان السابق المحرم, فعليه جزاء جرحه على ما مضى وإن كان جرحهما في حال واحدة, ففيه وجهان أحدهما على المحرم بقسطه كما لو كان شريكه محرما لأنه إنما أتلف البعض والثاني, عليه جزاء جميعه لأنه تعذر إيجاب الجزاء على شريكه فأشبه ما لو كان أحدهما دالا والآخر مدلولا أو أحدهما ممسكا والآخر قاتلا, فإن الجزاء على المحرم أيهما كان لتعذر إيجاب الجزاء على الآخر. وإن اشترك حرام وحلال في صيد حرمي فالجزاء بينهما نصفين لأن الإتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه, ولا يزداد الواجب على المحرم باجتماع حرمة الإحرام والحرم فيكون الواجب على كل واحد منهما النصف وهذا الاشتراك الذي هذا حكمه هو الذي يقع به الفعل منهما معا, فإن سبق أحدهما صاحبه فحكمه ما ذكرناه فيما ما مضى. إذا أحرم الرجل وفي ملكه صيد, لم يزل ملكه عنه ولا يده الحكمية مثل أن يكون في بلده, أو في يد نائب له في غير مكانه ولا شيء عليه إن مات وله التصرف فيه بالبيع والهبة وغيرهما ومن غصبه لزمه رده ويلزمه إزالة يده المشاهدة عنه ومعناه إذا كان في قبضته, أو رحله أو خيمته أو قفص معه, أو مربوطا بحبل معه لزمه إرساله وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي وقال الثوري: هو ضامن لما في بيته أيضا وحكي نحو ذلك عن الشافعي وقال أبو ثور: ليس عليه إرسال ما في يده وهو أحد قولي الشافعي لأنه في يده, أشبه ما لو كان في يده الحكمية ولأنه لا يلزم من منع ابتداء الصيد المنع من استدامته بدليل الصيد في الحرم ولنا على أنه لا يلزمه إزالة يده الحكمية, أنه لم يفعل في الصيد فعلا فلم يلزمه شيء كما لو كان في ملك غيره, وعكس هذا إذا كان في يده المشاهدة فإنه فعل الإمساك في الصيد فكان ممنوعا منه, كحالة الابتداء فإن استدامة الإمساك إمساك بدليل أنه لو حلف لا يمسك شيئا فاستدام إمساكه حنث إذا ثبت هذا, فإنه متى أرسله لم يزل ملكه عنه ومن أخذه رده إذا حل ومن قتله ضمنه له لأن ملكه كان عليه, وإزالة الأثر لا يزيل الملك بدليل الغصب والعارية فإن تلف في يده قبل إرساله بعد إمكانه ضمنه لأنه تلف تحت اليد العادية, فلزمه الضمان كمال الآدمي وإن كان قبل إمكان الإرسال فلا ضمان لأنه ليس بمفرط ولا متعد, فإن أرسله إنسان من يده فلا ضمان عليه لأنه فعل ما يلزمه فعله ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها, فإن أمسكه حتى حل فملكه باق عليه لأن ملكه لم يزل بالإحرام وإنما زال حكم المشاهدة, فصار كالعصير يتخمر ثم يتخلل قبل إراقته. ولا يملك المحرم الصيد ابتداء بالبيع ولا بالهبة ونحوهما من الأسباب, فإن الصعب بن جثامة (أهدى إلى رسول الله عليه السلام حمارا وحشيا فرده عليه وقال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم) فإن أخذه بأحد هذه الأسباب, ثم تلف فعليه جزاؤه وإن كان مبيعا فعليه القيمة أو رده إلى مالكه فإن أرسله, فعليه ضمانه كما لو أتلفه وليس عليه جزاء, وعليه رد المبيع أيضا ويحتمل أن يلزمه إرساله كما لو كان مملوكا له لأنه لا يجوز له إثبات يده المشاهدة على الصيد وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا يسترد المحرم الصيد الذي باعه وهو حلال مختار ولا عيب في ثمنه, ولا غيرهما لأنه ابتداء ملك على الصيد وهو ممنوع منه وإن رده المشتري عليه بعيب أو خيار فله ذلك لأن سبب الرد متحقق, ثم لا يدخل في ملك المحرم ويلزمه إرساله. وإن ورث المحرم صيدا ملكه لأن الملك بالإرث ليس بفعل من جهته وإنما يدخل في ملكه حكما, اختار ذلك أو كرهه ولهذا يدخل في ملك الصبي والمجنون فيدخل به المسلم في ملك الكافر فجرى مجرى الاستدامة ويحتمل أن لا يملك به لأنه من جهات التملك, فأشبه البيع وغيره فعلى هذا يكون أحق به من غير ثبوت ملكه عليه فإذا حل ملكه. قال: [ ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر, تحلل بعمرة وذبح إن كان معه هدي وحج من قابل, وأتى بدم ] الكلام في هذه المسألة في أربعة فصول أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر فمن [ لم ] يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج لا نعلم فيه خلافا قال جابر: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع قال أبو الزبير فقلت له: أقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك؟ قال: نعم رواه الأثرم بإسناده وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحج عرفة, فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه) يدل على فواته بخروج ليلة جمع وروى ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج, ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة, وعليه الحج من قابل) رواه الدارقطني وضعفه. أن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلاق هذا الصحيح من المذهب وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه, وزيد بن ثابت وابن عباس وابن الزبير, ومروان بن الحكم وهو قول مالك والثوري والشافعي, وأصحاب الرأي وقال ابن أبي موسى: في المسألة روايتان إحداهما كما ذكرنا والثانية يمضي في حج فاسد وهو قول المزني, قال: يلزمه جميع أفعال الحج لأن سقوط ما فات وقته لا يمنع وجوب ما لم يفت ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا فكان إجماعا وروى الشافعي, في " مسنده " أن عمر قال لأبي أيوب حين فاته الحج: اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت, فإن أدركت الحج قابلا فحج وأهد ما استيسر من الهدي وروي أيضا عن ابن عمر نحو ذلك وروى الأثرم بإسناده عن سليمان بن يسار, أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر: ما حبسك؟ قال: حسبت أن اليوم يوم عرفة, قال: فانطلق إلى البيت فطف به سبعا وإن كان معك هدية فانحرها, ثم إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فأهد فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت -إن شاء الله تعالى- وروى النجاد, بإسناده عن عطاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة, وليحج من قابل " ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى إذا ثبت هذا فإنه يجعل إحرامه بعمرة وهذا ظاهر كلام الخرقي, ونص عليه أحمد واختاره أبو بكر وهو قول ابن عباس وابن الزبير, وعطاء وأصحاب الرأي وقال ابن حامد: لا يصير إحرامه بعمرة بل يتحلل بطواف وسعي وحلق وهو مذهب مالك, والشافعي لأن إحرامه انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى الآخر كما لو أحرم بالعمرة, ويحتمل أن من قال: يجعل إحرامه عمرة أراد به يفعل ما فعل المعتمر وهو الطواف والسعي ولا يكون بين القولين خلاف ويحتمل أن يصير إحرام الحج إحراما بعمرة, بحيث يجزئه عن عمرة الإسلام إن لم يكن اعتمر ولو أدخل الحج عليها لصار قارنا إلا أنه لا يمكنه الحج بذلك الإحرام, إلا أن يصير محرما به في غير أشهره فيصير كمن أحرم بالحج في غير أشهره ولأن قلب الحج إلى العمرة يجوز من غير سبب, على ما قررناه في فسخ الحج فمع الحاجة أولى ويخرج على هذا قلب العمرة إلى الحج, فإنه لا يجوز ولأن العمرة لا يفوت وقتها فلا حاجة إلى انقلاب إحرامها, بخلاف الحج. أنه يلزمه القضاء من قابل سواء كان الفائت واجبا أو تطوعا روي ذلك عن عمر, وابنه وزيد وابن عباس, وابن الزبير ومروان وهو قول مالك, والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد لا قضاء عليه بل إن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق, وإن كانت نفلا سقطت وروي هذا عن عطاء وهو إحدى الروايتين عن مالك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال: " بل مرة واحدة " ولو أوجبنا القضاء, كان أكثر من مرة ولأنه معذور في ترك إتمام حجه فلم يلزمه القضاء كالمحصر, ولأنها عبادة تطوع فلم يجب قضاؤها كسائر التطوعات ووجه الرواية الأولى ما ذكرنا من الحديث, وإجماع الصحابة وروى الدارقطني بإسناده, عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من فاته عرفات فاته الحج فليحل بعمرة, وعليه الحج من قابل) ولأن الحج يلزم بالشروع فيه فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات وأما الحديث, فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة وهذه إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها فهي كالمنذورة وأما المحصر فإنه غير منسوب إلى التفريط, بخلاف من فاته الحج وإذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم في هذا خلافا لأن الحجة المقضية لو تمت لأجزأت عن الواجبة عليه, فكذلك قضاؤها لأن القضاء يقوم مقام الأداء. أن الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين وهو قول من سمينا من الصحابة والفقهاء إلا أصحاب الرأي, فإنهم قالوا: لا هدي عليه وهي الرواية الثانية عن أحمد لأنه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي للزم المحرم هديان للفوات والإحصار ولنا حديث عطاء, وإجماع الصحابة ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي, كالمحرم لم يفت حجه فإنه يحل قبل فواته إذا ثبت هذا فإنه يخرج الهدي في سنة القضاء, إن قلنا بوجوب القضاء وإلا أخرجه في عامه وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره ولا يجزئه, إن قلنا بوجوب القضاء بل عليه في السنة الثانية هدي أيضا نص عليه أحمد وذلك لحديث عمر الذي ذكرناه والهدي ما استيسر, مثل هدي المتعة لحديث عمر أيضا والمتمتع والمفرد والقارن, والمكي وغيره سواء فيما ذكرنا لأن الفوات يشمل الجميع. فإن اختار من فاته الحج البقاء على إحرامه ليحج من قابل فله ذلك روي ذلك عن مالك لأن تطاول المدة بين الإحرام وفعل النسك لا يمنع إتمامه, كالعمرة والمحرم بالحج في غير أشهره ويحتمل أنه ليس له ذلك وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي, وابن المنذر ورواية عن مالك لظاهر الخبر وقول الصحابة رضي الله عنهم, ولأن إحرام الحج يصير في غير أشهره فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها. وإذا فات القارن الحج حل وعليه مثل ما أهل به من قابل نص عليه أحمد وهو قول مالك, والشافعي وأبي ثور وإسحاق ويحتمل أن يجزئه ما فعل عن عمرة الإسلام, ولا يلزمه إلا قضاء الحج لأنه لم يفته غيره وقال أصحاب الرأي والثوري: يطوف ويسعى لعمرته ثم لا يحل حتى يطوف ويسعى لحجه إلا أن سفيان قال: ويهرق دما والوجه الأول أن يجب القضاء على حسب الأداء, في صورته ومعناه فيجب أن يكون ها هنا كذلك ويلزمه هديان هدي للقران, وهدي فواته وبه قال مالك والشافعي وقيل: يلزمه هدي ثالث للقضاء وليس بشيء فإن القضاء لا يجب له هدي, وإنما يجب الهدي الذي في سنة القضاء للفوات وكذلك لم يأمره الصحابة بأكثر من هدي واحد والله أعلم. إذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة أجزأهم ذلك لما روى الدارقطني بإسناده, عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يوم عرفة الذي يعرف فيه الناس فإن اختلفوا فأصاب بعض, وأخطأ بعض وقت الوقوف لم يجزئهم لأنهم غير معذورين في هذا) وروى أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فطركم يوم تفطرون, وأضحاكم يوم تضحون) رواه الدارقطني وغيره. قال: [ وإن كان عبدا لم يكن له أن يذبح وكان عليه أن يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما, ثم يقصر ويحل ] يعني أن العبد لا يلزمه هدي لأنه لا مال له فهو عاجز عن الهدي فلم يلزمه كالمعسر وظاهر كلام الخرقي أنه لو أذن له سيده في الهدي لم يكن له أن يهدي, ولا يجزئه إلا الصيام وهذا قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي ذكره ابن المنذر عنهم في الصيد وعلى قياس هذا كل دم لزمه في الإحرام لا يجزئه عنه إلا الصيام وقال غير الخرقي: إن ملكه السيد هديا, وأذن له في ذبحه خرج على الروايتين إن قلنا: إن العبد يملك بالتمليك لزمه أن يهدي ويجزئ عنه لأنه قادر على الهدي مالك له, فلزمه كالحر وإن قلنا: لا يملك لم يجزئه إلا الصيام لأنه ليس بمالك ولا سبيل له إلى الملك فصار كالمعسر الذي لا يقدر على غير الصيام وإذا صام فإنه يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما وينبغي أن يخرج فيه من الخلاف ما ذكرناه في الصيد, ومتى بقي من قيمتها أقل من مد صام عنه يوما كاملا لأن الصوم لا يتبعض فيجب تكميله كمن نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم في بعض النهار, لزمه صوم يوم كامل والأولى أن يكون الواجب من الصوم عشرة أيام كصوم المتعة, كما جاء في حديث عمر أنه قال لهبار بن الأسود: فإن وجدت سعة فأهد فإن لم تجد سعة فصم ثلاثة أيام في الحج, وسبعة إذا رجعت -إن شاء الله تعالى- وروى الشافعي في " مسنده " عن ابن عمر مثل ذلك وأحمد ذهب إلى حديث عمر, واحتج به لأنه صوم وجب لحله من إحرامه قبل إتمامه فكان عشرة أيام كصوم المحرم والمعسر في الصوم كالعبد ولذلك قال عمر لهبار بن الأسود: إن وجدت سعة فأهد, فإن لم تجد فصم ويعتبر اليسار والإعسار في زمن الوجوب وهو في سنة القضاء إن قلنا بوجوبه أو في سنة الفوات إن قلنا لا يجب القضاء وقول الخرقي: "ثم يقصر ويحل" يريد أن العبد لا يحلق ها هنا, ولا في موضع آخر لأن الحلق إزالة الشعر الذي يزيد في قيمته وماليته وهو ملك لسيده ولم يتعين إزالته, فلم يكن له إزالته كغير حالة الإحرام وإن أذن له السيد في الحلق جاز لأنه إنما منع منه لحقه. قال: [ وإذا أحرمت المرأة لواجب لم يكن لزوجها منعها ] وجملة ذلك أن المرأة إذا أحرمت بالحج الواجب أو العمرة الواجبة, وهي حجة الإسلام وعمرته أو المنذور منهما فليس لزوجها منعها من المضي فيها, ولا تحليلها في قول أكثر أهل العلم منهم أحمد والنخعي وإسحاق, وأصحاب الرأي والشافعي في أصح القولين له وقال في الآخر: له منعها لأن الحج عنده على التراخي, فلم يتعين في هذا العام وليس هذا بصحيح فإن الحج الواجب يتعين بالشروع فيه فيصير كالصلاة إذا أحرمت بها في أول وقتها وقضاء رمضان إذا شرعت فيه, ولأن حق الزوج مستمر على الدوام فلو ملك منعها في هذا العام لملكه في كل عام فيفضي إلى إسقاط أحد أركان الإسلام, بخلاف العدة فإنها لا تستمر فأما إن أحرمت بتطوع فله تحليلها ومنعها منه, في ظاهر قول الخرقي وقال القاضي: ليس له تحليلها لأن الحج يلزم بالشروع فيه فلا يملك الزوج تحليلها كالحج المنذور وحكي عن أحمد, في امرأة تحلف بالصوم أو بالحج ولها زوج: لها أن تصوم بغير إذن زوجها ما تصنع, قد ابتليت وابتلي زوجها ولنا أنه تطوع يفوت حق غيرها منها أحرمت به بغير إذنه, فملك تحليلها منه كالأمة تحرم بغير إذن سيدها والمدينة تحرم بغير إذن غريمها على وجه يمنعه إيفاء دينه الحال عليها, ولأن العدة تمنع المضي في الإحرام لحق الله تعالى فحق الآدمي أولى لأن حقه أضيق لشحه وحاجته, وكرم الله تعالى وغناه وكلام أحمد لا يتناول محل النزاع وهو مخالف له من وجهين أحدهما أنه في الصوم, وتأثير الصوم في منع حق الزوج يسير فإنه في النهار دون الليل ولو حلفت بالحج فله منعها لأن الحج لا يتعين في نذر اللجاج والغضب بل هو مخير بين فعله والتكفير, فله منعها منه قبل إحرامها بكل حال بخلاف الصوم والثاني أن الصوم إذا وجب صار كالمنذور, بخلاف ما نحن فيه والشروع ها هنا على وجه غير مشروع فلم يكن له حرمة بالنسبة إلى صاحب الحق فأما إن كانت الحجة حجة الإسلام, لكن لم تكمل شروطها لعدم الاستطاعة فإن له منعها من الخروج إليها والتلبس بها لأنها غير واجبة عليها وإن أحرمت بغير إذنه لم يملك تحليلها لأن ما أحرمت به يقع عن حجة الإسلام الواجبة بأصل الشرع كالمريض إذا تكلف حضور الجمعة ويحتمل أن له تحليلها لأنه فقد شرط وجوبها, فأشبهت حجة الأمة والصغيرة فإنه لما فقدت الحرية أو البلوغ ملك منعها, ولأنها ليست واجبة عليها فأشبهت سائر التطوع. وأما قبل الإحرام فليس للزوج منع امرأته من المضي إلى الحج الواجب عليها, إذا كملت شروطه وكانت مستطيعة ولها محرم يخرج معها لأنه واجب, وليس له منعها من الواجبات كما ليس له منعها من الصلاة والصيام وإن لم تكمل شروطه فله منعها من المضي إليه والشروع فيه, ولأنها تفوت حقه بما ليس بواجب عليها فملك منعها كمنعها من صيام التطوع وله منعها من الخروج إلى حج التطوع والإحرام به, بغير خلاف قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع ولأنه تطوع يفوت حق زوجها فكان لزوجها منعها منه, كالاعتكاف فإن أذن لها فيه فله الرجوع ما لم تتلبس بإحرامه فإن تلبست بالإحرام, أو أذن لها لم يكن له الرجوع فيه ولا تحليلها منه لأنه يلزم بالشروع, فصار كالواجب الأصلي فإن رجع قبل إحرامها ثم أحرمت به فهو كمن لم يأذن وإذا قلنا: بتحليلها فحكمها حكم المحصر, يلزمها الهدي فإن لم تجد صامت ثم حلت. وإن أحرمت بواجب, فحلف زوجها بالطلاق الثلاث أن لا تحج العام فليس لها أن تحل لأن الطلاق مباح فليس لها ترك فرائض الله خوفا من الوقوع فيه ونقل مهنا عن أحمد أنه سئل عن هذه المسألة, فقال: قال عطاء: الطلاق هلاك هي بمنزلة المحصر وروى عنه ابن منصور أنه أفتى السائل أنها بمنزلة المحصر واحتج بقول عطاء, فرواه والله أعلم ذهب إلى هذا لأن ضرر الطلاق عظيم لما فيه من خروجها من بيتها ومفارقة زوجها وولدها, وربما كان ذلك أعظم عندها من ذهاب مالها وهلاك سائر أهلها ولذلك سماه عطاء هلاكا ولو منعها عدو من الحج إلا أن تدفع إليه مالها, كان ذلك حصرا فهاهنا أولى والله أعلم. وليس للوالد منع ولده من الحج الواجب ولا تحليله من إحرامه, وليس للولد طاعته في تركه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى) وله منعه من الخروج إلى التطوع فإن له منعه من الغزو وهو من فروض الكفايات, فالتطوع أولى فإن أحرم بغير إذنه لم يملك تحليله لأنه واجب بالدخول فيه فصار كالواجب ابتداء, أو كالمنذور. قال: [ ومن ساق هديا واجبا فعطب دون محله صنع به ما شاء, وعليه مكانه ] الواجب من الهدي قسمان أحدهما وجب بالنذر في ذمته والثاني وجب بغيره, كدم التمتع والقران والدماء الواجبة بترك واجب, أو فعل محظور وجميع ذلك ضربان: أحدهما أن يسوقه ينوي به الواجب الذي عليه من غير أن يعينه بالقول, فهذا لا يزول ملكه عنه إلا بذبحه ودفعه إلى أهله وله التصرف فيه بما شاء من بيع, وهبة وأكل وغير ذلك لأنه لم يتعلق حق غيره به, وله نماؤه وإن عطب تلف من ماله وإن تعيب لم يجزئه ذبحه, وعليه الهدي الذي كان واجبا فإن وجوبه في الذمة فلا يبرأ منه إلا بإيصاله إلى مستحقه, بمنزلة من عليه دين فحمله إلى مستحقه يقصد دفعه إليه فتلف قبل أن يوصله إليه الضرب الثاني أن يعين الواجب عليه بالقول, فيقول: هذا الواجب على فإنه يتعين الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمة منه لأنه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين فإذا كان واجبا فعينه فكذلك إلا أنه مضمون عليه, فإن عطب أو سرق أو ضل, أو نحو ذلك لم يجزه وعاد الوجوب إلى ذمته, كما لو كان لرجل عليه دين فاشترى به منه مكيلا فتلف قبل قبضه, انفسخ البيع وعاد الدين إلى ذمته ولأن ذمته لم تبرأ من الواجب بتعيينه, وإنما تعلق الوجوب بمحل آخر فصار كالدين يضمنه ضامن أو يرهن به رهنا, فإنه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة المدين فمتى تعذر استيفاؤه من الضامن أو تلف الرهن, بقي الحق في الذمة بحاله وهذا كله لا نعلم فيه مخالفا وإن ذبحه فسرق أو عطب, فلا شيء عليه قال أحمد: إذا نحر فلم يطعمه حتى سرق لا شيء عليه فإنه إذا نحر فقد فرغ وبهذا قال الثوري وابن القاسم صاحب مالك, وأصحاب الرأي وقال الشافعي: عليه الإعادة لأنه لم يوصل الحق إلى مستحقه فأشبه ما لو لم يذبحه ولنا أنه أدى الواجب عليه, فبرئ منه كما لو فرقه ودليل أنه أدى الواجب أنه لم يبق إلا التفرقة, وليست واجبة بدليل أنه لو خلى بينه وبين الفقراء أجزأه ولذلك (لما نحر النبي -صلى الله عليه وسلم- البدنات قال: من شاء اقتطع) وإذا عطب هذا المعين, أو تعيب عيبا يمنع الإجزاء لم يجزه ذبحه عما في الذمة لأن عليه هديا سليما ولم يوجد وعليه مكانه, ويرجع هذا الهدي إلى ملكه فيصنع به ما شاء من أكل, أو بيع وهبة وصدقة وغيره هذا ظاهر كلام الخرقي وحكاه ابن المنذر عن أحمد, والشافعي وإسحاق وأبي ثور, وأصحاب الرأي ونحوه عن عطاء وقال مالك: يأكل ويطعم من أحب من الأغنياء والفقراء ولا يبيع منه شيئا ولنا, ما روى سعيد حدثنا سفيان عن عبد الكريم عن عكرمة, عن ابن عباس قال: إذا أهديت هديا تطوعا فعطب, فانحره ثم اغمس النعل في دمه ثم اضرب بها صفحته, فإن أكلت أو أمرت به عرفت وإذا أهديت هديا واجبا فعطب فانحره ثم كله إن شئت, وأهده إن شئت وبعه إن شئت وتقو به في هدي آخر ولأنه متى كان له أن يأكل ويطعم الأغنياء, فله أن يبيع لأنه ملكه وروي عن أحمد أنه يذبح المعيب وما في ذمته جميعا ولا يرجع المعين إلى ملكه لأنه تعلق بحق الفقراء بتعيينه, فلزم ذبحه كما لو عينه بنذره ابتداء. وإن ضل المعين ، فذبح غيره ، ثم وجده ، أو عين غير الضال بدلا عما في الذمة ، ثم وجد الضال ، ذبحهما معا . روي ذلك عن عمر ، وابنه وابن عباس ، وفعلته عائشة . وبه قال مالك ، والشافعي ، وإسحاق . ويتخرج على قولنا فيما إذا تعيب الهدي ، فأبدله فإن له أن يصنع به ما شاء . أو يرجع إلى ملك أحدهما ؛ لأنه قد ذبح ما في الذمة ، فلم يلزمه شيء آخر ، كما لو عطب المعين . وهذا قول أصحاب الرأي . ووجه الأول ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أهدت هديين ، فأضلتهما ، فبعث إليها ابن الزبير هديين ، فنحرتهما ، ثم عاد الضالان ، فنحرتهما ، وقالت : هذه سنة الهدي رواه الدارقطني . وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأنه تعلق حق الله بهما بإيجابهما ، أو ذبح أحدهما وإيجاب الآخر . وإن عين معيبا عما في ذمته ، لم يجزه ، ولزمه ذبحه ، على قياس قوله في الأضحية ، إذا عينها معيبة لزمه ذبحها ، ولم يجزه . وإن عين صحيحا فهلك ، أو تعيب بغير تفريطه ، لم يلزمه أكثر مما كان واجبا في الذمة ؛ لأن الزائد لم يجب في الذمة ، وإنما تعلق بالعين ، فسقط بتلفها لأصل الهدي ، إذا لم يجب بغير التعيين . وإن أتلفه ، أو تلف بتفريطه ، لزمه مثل المعين ؛ لأن الزائد تعلق به حق الله تعالى ، وإذا فوته لزمه ضمانه ، كالهدي المعين ابتداء . ويحصل الإيجاب بقوله: هذا هدي أو بتقليده وإشعاره ناويا به الهدي وبهذا قال الثوري وإسحاق ولا يجب بالشراء مع النية, ولا بالنية المجردة في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة: يجب بالشراء مع النية ولنا أنه إزالة ملك على وجه القربة, فلم يجب بالنية كالعتق والوقف. إذا غصب شاة فذبحها عن الواجب عليه, لم يجزه سواء رضي مالكها أو لم يرض أو عوضه عنها أو لم يعوضه وقال أبو حنيفة: يجزئه إن رضي مالكها ولنا, أن هذا لم يكن قربة في ابتدائه فلم يصر قربة في أثنائه كما لو ذبحه للأكل ثم نوى به التقريب, وكما لو أعتق ثم نواه عن كفارته. قال: [ وإن كان ساقه تطوعا نحره في موضعه وخلى بينه وبين المساكين, ولم يأكل منه هو ولا أحد من أهل رفقته ولا بدل عليه ] وجملة ذلك أن من تطوع بهدي غير واجب لم يخل من حالين أحدهما, أن ينويه هديا ولا يوجب بلسانه ولا بإشعاره وتقليده فهذا لا يلزمه إمضاؤه, وله أولاده ونماؤه والرجوع فيه متى شاء ما لم يذبحه لأنه نوى الصدقة بشيء من ماله فأشبه ما لو نوى الصدقة بدرهم الثاني, أن يوجبه بلسانه فيقول: هذا هدي أو يقلده أو يشعره ينوي بذلك إهداءه, فيصير واجبا معينا يتعلق الوجوب بعينه دون ذمة صاحبه ويصير في يدي صاحبه كالوديعة, يلزمه حفظه وإيصاله إلى محله فإن تلف بغير تفريط منه أو سوق, أو ضل لم يلزمه شيء لأنه لم يجب في الذمة إنما تعلق الحق بالعين, فسقط بتلفها كالوديعة وقد روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أهدى تطوعا ثم ضلت فليس عليه البدل, إلا أن يشاء فإن كان نذرا فعليه البدل) وفي رواية, قال: (من أهدى تطوعا ثم عطب فإن شاء أبدل وإن شاء أكل, وإن كان نذرا فليبدل) فأما إن أتلفه أو تلف بتفريطه فعليه ضمانه لأنه أتلف واجبا لغيره, فضمنه كالوديعة وإن خاف عطبه أو عجز عن المشي وصحبة الرفاق, نحره موضعه وخلى بينه وبين المساكين ولم يبح له أكل شيء منه, ولا لأحد من صحابته وإن كانوا فقراء ويستحب له أن يضع نعل الهدي المقلد في عنقه في دمه, ثم يضرب به صفحته ليعرفه الفقراء فيعلموا أنه هدي, وليس بميتة فيأخذوه وبهذا قال الشافعي وسعيد بن جبير وروي عن ابن عمر أنه أكل من هديه الذي عطب, ولم يقض مكانه وقال مالك: يباح لرفقته ولسائر الناس غير صاحبه أو سائقه, ولا يأمر أحدا يأكل منه فإن أكل أو أمر من أكل, أو حز شيئا من لحمه ضمنه واحتج ابن عبد البر لذلك بما روى هشام بن عروة, عن أبيه عن ناجية بنت كعب صاحب بدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يا رسول الله, كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ قال: انحره ثم اغمس قلائده في دمه ثم اضرب بها صفحة عنقه, ثم خل بينه وبين الناس) قال: وهذا أصح من حديث ابن عباس وعليه العمل عند الفقهاء ويدخل في عموم قوله: " وخل بينه وبين الناس " رفقته وغيرهم ولنا ما روى ابن عباس, أن ذؤيبا أبا قبيصة حدثه (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث معه البدن ثم يقول: إن عطب منها شيء فخشيت عليها, فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها, ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك) رواه مسلم وفي لفظ رواه الإمام أحمد: (ويخليها والناس ولا يأكل منها هو ولا أحد من أصحابه) وقال سعيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أبي التياح, عن موسى بن سلمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أنه بعث بثماني عشرة بدنة مع رجل وقال: إن ازدحف عليك منها شيء, فانحرها ثم اصبغ نعلها في دمها ثم اضرب بها في صفحتها, ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك) وهذا صحيح متضمن للزيادة ومعنى خاص فيجب تقديمه على عموم ما خالفه ولا تصح التسوية بين رفقته وبين سائر الناس لأن الإنسان يشفق على رفقته, ويحب التوسعة عليهم وربما وسع عليهم من مؤنته وإنما منع السائق ورفقته من الأكل منها لئلا يقصر في حفظها فيعطبها ليأكل هو ورفقته منها, فتلحقه التهمة في عطبها لنفسه ورفقته فحرموها لذلك فإن أكل منها أو باع أو أطعم غنيا, أو رفقته ضمنه بمثله لحما وإن أتلفها أو تلفت بتفريطه, أو خاف عطبها فلم ينحرها حتى هلكت فعليه ضمانها بما يوصله إلى فقراء الحرم لأنه لا يتعذر عليه إيصال الضمان إليهم, بخلاف العاطب وإن أطعم منها فقيرا أو أمره بالأكل منها فلا ضمان عليه لأنه أوصله إلى المستحق, فأشبه ما لو أطعم فقيرا بعد بلوغه محله وإن تعيب ذبحه أجزأه وقال أبو حنيفة: لا يجزئه إلا أن يحدث العيب به بعد إضجاعه للذبح ولنا, أنه لو عطب لم يلزمه شيء فالعيب أولى لأن العطب يذهب بجميعه والعيب ينقصه ولأنه عيب حدث بعد وجوبه, فأشبه ما لو حدث بعد إضجاعه وإن تعيب بفعل آدمي فعليه ما نقصه من القيمة يتصدق به وقال أبو حنيفة: يباع جميعه, ويشترى هدي وبنى ذلك على أنه لا يجزئ وقد بينا أنه مجزئ. وإذ أوجب هديا فله إبداله بخير منه وبيعه ليشتري بثمنه خيرا منه نص عليه أحمد وهو اختيار أكثر الأصحاب, ومذهب أبي حنيفة وقال أبو الخطاب: يزول ملكه عنه وليس له بيعه ولا إبداله وهو قول مالك والشافعي لأنه حق متعلق بالرقبة, ويسري إلى الولد فمنع البيع كالاستيلاء, ولأنه لا يجوز له إبداله بمثله فلم يجز بخير منه كسائر ما لا يجوز بيعه ووجه الأول, أن النذور محمولة على أصولها في الفرض وهو الزكاة يجوز فيها الإبدال, كذلك هذا ولأنه لو زال ملكه لم يعد إليه بالهلاك كسائر الأملاك إذا زالت وقياسهم ينتقض بالمدبرة يجوز بيعها, وقد دل على جواز بيع المدبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع مدبرا أما إبدالها بمثلها أو دونها فلم يجز لعدم الفائدة في ذلك. إذا ولدت الهدية فولدها بمنزلتها إن أمكن سوقه وإلا حمله على ظهرها وسقاه من لبنها, فإن لم يمكن سوقه ولا حمله صنع به ما يصنع بالهدي إذا عطب ولا فرق في ذلك بين ما عينه ابتداء وبين ما عينه بدلا عن الواجب في ذمته وقال القاضي, في المعين بدلا عن الواجب: يحتمل أن لا يتبعها ولدها لأن ما في الذمة واحد فلا يلزمه اثنان والصحيح أنه يتبع أمه في الوجوب لأنه ولد هدي واجب فكان واجبا, كالمعين ابتداء وقال المغيرة بن حذف: أتى رجل عليا ببقرة قد أولدها فقال له: لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم الأضحى ضحيت بها وولدها عن سبعة رواه سعيد, والأثرم وإن تعينت المعينة عن الواجب في الذمة وقلنا: يذبحها ذبح ولدها معها لأنه تبع لها وإن قلنا: يبطل تعيينها وتعود إلى مالكها احتمل أن يبطل التعيين في ولدها تبعا, كنمائها المتصل بها واحتمل أن لا يبطل ويكون للفقراء لأنه تبعها في الوجوب حال اتصاله بها, ولم يتبعها في زواله لأنه منفصل عنها كولد المبيع المعيب إذا ولد عند المشتري ثم رده لم يبطل البيع في ولده, والمدبرة إذا قتلت سيدها فبطل تدبيرها لا يبطل في ولدها. وللمهدي شرب لبن الهدي لأن بقاءه في الضرع يضر به, فإذا كان ذا ولد لم يشرب إلا ما فضل عن ولده لما ذكرنا من خبر علي رضي الله عنه فإن شرب ما يضر بالأم أو ما لا يفضل عن الولد, ضمنه لأنه تعدى بأخذه وإن كان صوفها يضر بها بقاؤه جزه وتصدق به على الفقراء والفرق بينه وبين اللبن أن الصوف كان موجودا حال إيجابها, فكان واجبا معها واللبن متجدد فيها شيئا فشيئا فهو كنفعها وركوبها. وله ركوبه عند الحاجة, على وجه لا يضر به قال: أحمد: لا يركبه إلا عند الضرورة وهو قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي (لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها, حتى تجد ظهرا) رواه أبو داود ولأنه تعلق بها حق المساكين فلم يجز ركوبها من غير ضرورة كملكهم فأما مع عدم الحاجة, ففيه روايتان إحداهما لا يجوز لما ذكرنا والثانية يجوز لما روى أبو هريرة, وأنس (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها فقال: يا رسول الله إنها بدنة فقال: اركبها, ويلك في الثانية أو في الثالثة) متفق عليه. ولا يبرأ من الهدي إلا بذبحه أو نحره لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر هديه فإن نحره بنفسه أو وكل من نحره أو نحره إنسان بغير إذنه في وقته, أجزأ عنه وإن دفعه إلى الفقراء سليما فنحروه أجزأ عنه لأنه حصل المقصود بفعلهم فأجزأه, كما لو ذبحه غيرهم وإن لم ينحروه فعليه أن يسترده منهم وينحره, فإن لم يفعل أو لم يقدر فعليه ضمانه لأنه فوته بتفريطه في دفعه إليهم سليما. ويستحب للمهدي أن يتولى نحر الهدي بنفسه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر هديه بيده وروي عن غرفة بن الحارث الكندي, قال: (شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع وأتى بالبدن فقال: ادع لي أبا الحسن فدعي له علي, فقال له: خذ بأسفل الحربة وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأعلاها ثم طعنا بها البدن) رواه أبو داود وإنما فعلا ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرك عليا في بدنه وقال جابر: (نحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثا وستين بدنة بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر) وروي (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر خمس بدنات, ثم قال: من شاء اقتطع) رواه أبو داود فإن لم يذبح بيده فالمستحب أن يشهد ذبحها لما روي (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: احضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها) ويستحب أن يتولى تفريق اللحم بنفسه لأنه أحوط وأقل للضرر على المساكين وإن خلى بينه وبين المساكين جاز لقوله عليه السلام: (من شاء اقتطع). ويباح للفقراء الأخذ من الهدي إذا لم يدفعه إليهم بأحد شيئين أحدهما, الإذن فيه لفظا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من شاء اقتطع) والثاني دلالة على الإذن, كالتخلية بينهم وبينه وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يباح إلا باللفظ وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لسائق البدن: (اصبغ نعلها في دمها واضرب به صفحتها) دليل على أن ذلك وشبهه كاف من غير لفظ, ولولا ذلك لم يكن هذا مفيدا. قال: [ ولا يأكل من كل واجب إلا من هدي التمتع ] المذهب أنه يأكل من هدي التمتع والقران دون ما سواهما نص عليه أحمد ولعل الخرقي ترك ذكر القران لأنه متعة واكتفى بذكر المتعة لأنهما سواء في المعنى فإن سببهما غير محظور, فأشبها هدي التطوع وهذا قول أصحاب الرأي وعن أحمد أنه لا يأكل من المنذور وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما وهو قول ابن عمر, وعطاء والحسن وإسحاق لأن جزاء الصيد بدل, والنذر جعله لله تعالى بخلاف غيرهما وقال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضا من الكفارة ويأكل مما سوى هذه الثلاثة ونحوه مذهب مالك لأن ما سوى ذلك لم يسمه للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه, فأشبه التطوع وقال الشافعي: لا يأكل من واجب لأنه هدي وجب بالإحرام فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة ولنا, أن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- تمتعن معه في حجة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة ثم ذبح عنهن النبي -صلى الله عليه وسلم- البقرة, فأكلن من لحومها قال أحمد قد أكل من البقرة أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة خاصة وقالت عائشة: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل, فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه وروى أبو داود وابن ماجه (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذبح عن آل محمد في حجة الوداع بقرة) وقال ابن عمر: (تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة إلى الحج, فساق الهدي من ذي الحليفة) متفق عليه وقد ثبت (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعلي من لحمها, وشربا من مرقها) رواه مسلم ولأنهما دما نسك فأشبها التطوع ولا يؤكل من غيرهما لأنه يجب بفعل محظور, فأشبه جزاء الصيد. فأما هدي التطوع وهو ما أوجبه بالتعيين ابتداء من غير أن يكون عن واجب في ذمته, وما نحره تطوعا من غير أن يوجبه فيستحب أن يأكل منه لقول الله تعالى: {فكلوا منها} وأقل أحوال الأمر الاستحباب ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من بدنه وقال جابر (كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كلوا وتزودوا فأكلنا وتزودنا) رواه البخاري وإن لم يأكل فلا بأس فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نحر البدنات الخمس قال: (من شاء اقتطع) ولم يأكل منهن شيئا والمستحب أن يأكل اليسير منها, كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وله الأكل كثيرا والتزود كما جاء في حديث جابر وتجزئه الصدقة باليسير منها كما في الأضحية, فإن أكلها ضمن المشروع للصدقة منها كما في الأضحية. وإن أكل منها ما منع من أكله ضمنه بمثله لحما لأن الجميع مضمون عليه بمثله حيوانا, فكذلك أبعاضه وكذلك إن أعطى الجازر منها شيئا ضمنه بمثله وإن أطعم غنيا منها على سبيل الهدية جاز, كما يجوز له ذلك في الأضحية لأن ما ملك أكله ملك هديته وإن باع شيئا منها أو أتلفه ضمنه بمثله لأنه ممنوع من ذلك, فأشبه عطيته للجازر وإن أتلف أجنبي منه شيئا ضمنه بقيمته لأن المتلف من غير ذوات الأمثال فلزمته قيمته, كما لو أتلف لحما لآدمي معين. والهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين منصوص عليه ومقيس على المنصوص فأما المنصوص عليه فأربعة اثنان على الترتيب, والواجب فيهما ما استيسر من الهدي وأقله شاة أو سبع بدنة, أحدهما دم المتعة قال الله تعالى: قال: [ وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم, إن قدر على إيصاله إليهم إلا من أصابه أذى من رأسه فيفرقه على المساكين في الموضع الذي حلق فيه ] أما فدية الأذى, فتجوز في الموضع الذي حلق فيه نص عليه أحمد وقال الشافعي: لا تجوز إلا في الحرم لقوله تعالى: وما وجب نحره بالحرم, وجب تفرقة لحمه به وبهذا قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة: إذا ذبحها في الحرم جاز تفرقة لحمها في الحل ولنا, أنه أحد مقصودي النسك فلم يجز في الحل كالذبح, ولأن المعقول من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه وهذا لا يحصل بإعطاء غيرهم ولأنه نسك يختص بالحرم, فكان جميعه مختصا به كالطواف وسائر المناسك. والطعام كالهدي, يختص بمساكين الحرم فيما يختص الهدي به وقال عطاء والنخعي: ما كان من هدي فبمكة وما كان من طعام وصيام فحيث شاء وهذا يقتضيه مذهب مالك, وأبي حنيفة ولنا قول ابن عباس: الهدي والطعام بمكة والصوم حيث شاء ولأنه نسك يتعدى نفعه إلى المساكين فاختص بالحرم, كالهدي. ومساكين أهل الحرم من كان فيه من أهله أو وارد إليه من الحاج وغيرهم وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم ولو دفع إلى من ظاهره الفقر فبان غنيا, خرج فيه وجهان كالزكاة وللشافعي فيه قولان وما جاز تفريقه بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وجوزه أصحاب الرأي ولنا, أنه كافر فلم يجز الدفع إليه كالحربي. وإذا نذر هديا وأطلق, فأقل ما يجزئه شاة أو سبع بدنة أو بقرة لأن المطلق في النذر يجب حمله على المعهود شرعا والهدي الواجب في الشرع إنما هو من النعم, وأقله ما ذكرناه فحمل عليه ولهذا لما قال الله تعالى في المتعة: وإن نذر هديا مطلقا أو معينا وأطلق مكانه, وجب عليه إيصاله إلى مساكين الحرم وجوز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء كما لو نذر الصدقة بشاة ولنا قوله تعالى: وقول الخرقي: "إن قدر على إيصاله إليهم" يدل على أن العاجز عن إيصاله لا يلزمه إيصاله, فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فإن منع الناذر الوصول بنفسه وأمكنه تنفيذه لزمه قال ابن عقيل إذا حصر عن الخروج خرج في ذبح هذا الهدي المنذور في موضع حصره روايتان, كدماء الحج واختار أن الصحيح جواز ذبحه في موضع حصره لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر هديه بالحديبية والثانية إن أمكن إرساله مع غيره فلا يجوز له ذبحه في موضعه لأنه أمكنه إيصال المنذور إلى محله, فلزمه كغير المحصور. قال: [ وأما الصيام فيجزئه بكل مكان ] لا نعلم في هذا خلافا كذلك قال ابن عباس وعطاء, والنخعي وغيرهم وذلك لأن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد فلا معنى لتخصيصه بمكان, بخلاف الهدي والإطعام فإن نفعه يتعدى إلى من يعطاه. ويسن تقليد الهدي ، وهو أن يجعل في أعناقها النعال ، وآذان القرب ، وعراها ، أو علاقة إداوة . وسواء كانت إبلا ، أو بقرا ، أو غنما . وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا يسن تقليد الغنم ؛ لأنه لو كان سنة لنقل كما نقل في الإبل . ولنا ، أن عائشة قالت : (كنت أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم فيقلد الغنم ، ويقيم في أهله حلالا). وفي لفظ : (كنت أفتل قلائد الغنم للنبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري . ولأنه هدي ، فيسن تقليده كالإبل ، ولأنه إذا سن تقليد الإبل مع إمكان تعريفها بالأشعار ، فالغنم ، أولى ، وليس التساوي في النقل شرطا لصحة الحديث ، ولأنه كان يهدي الإبل أكثر ، فكثر نقله . ويسن إشعار الإبل والبقر وهو أن يشق صفحة سنامها الأيمن حتى يدميها, في قول عامة أهل العلم وقال أبو حنيفة: هذا مثلة غير جائز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تعذيب الحيوان ولأنه إيلام فهو كقطع عضو منه وقال مالك: إن كانت البقرة ذات سنام, فلا بأس بإشعارها وإلا فلا ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (فتلت قلائد هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أشعرها وقلدها) متفق عليه رواه ابن عباس, وغيره وفعله الصحابة فيجب تقديمه على عموم ما احتجوا به, ولأنه إيلام لغرض صحيح فجاز كالكي والوسم, والفصد والحجامة والغرض أن لا تختلط بغيرها وأن يتوقاها اللص, ولا يحصل ذلك بالتقليد لأنه يحتمل أن ينحل ويذهب وقياسهم منتقض بالكي والوسم وتشعر البقرة لأنها من البدن فتشعر كذات السنام وأما الغنم فلا يسن إشعارها لأنها ضعيفة وصوفها وشعرها يستر موضع إشعارها إذا ثبت هذا فالسنة الإشعار في صفحتها اليمنى وبهذا قال الشافعي, وأبو ثور وقال مالك وأبو يوسف: بل تشعر في صفحتها اليسرى وعن أحمد مثله لأن ابن عمر فعله ولنا ما روى ابن عباس (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بذي الحليفة, ثم دعا ببدنة وأشعرها من صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها بيده) رواه مسلم وأما ابن عمر فقد روي عنه كمذهبنا رواه البخاري ثم فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى من قول ابن عمر وفعله بلا خلاف ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- (كان يعجبه التيمن في شأنه كله) وإذا ساق الهدي من قبل الميقات, استحب إشعاره وتقليده من الميقات لحديث ابن عباس وإن ترك الإشعار والتقليد فلا بأس لأن ذلك غير واجب. ولا يسن الهدي إلا من بهيمة الأنعام لقول الله تعالى: والذكر والأنثى في الهدي سواء وممن أجاز ذكران الإبل ابن المسيب, وعمر بن عبد العزيز ومالك وعطاء, والشافعي وعن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدا فاعلا ذلك وأن أنحر أنثى أحب إلي والأول أولى لأن الله تعالى قال: قال: [ ومن وجبت عليه بدنة ، فذبح سبعا من الغنم ، أجزأه ] وظاهر هذا أن سبعا من الغنم يجزئ عن البدنة مع القدرة عليها . سواء كانت البدنة واجبة بنذر ، أو جزاء صيد ، أو كفارة وطء . وقال ابن عقيل : إنما يجزئ ذلك عنها عند عدمها ، في ظاهر كلام أحمد لأن ذلك بدل عنها ، فلا يصار إليه مع وجودها ، كسائر الأبدال . فأما مع عدمها فيجوز ؛ لما روى ابن عباس ، قال : (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال : إن علي بدنة ، وأنا موسر لها ، ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن). رواه ابن ماجه . ولنا ، أن الشاة معدولة بسبع بدنة ، وهي أطيب لحما ، فإذا عدل عن الأدنى إلى الأعلى جاز ، كما لو ذبح بدنة مكان شاة. ومن وجب عليه سبع من الغنم في جزاء الصيد ، لم يجزئه بدنة في الظاهر ؛ لأن سبعا من الغنم أطيب لحما ، فلا يعدل عن الأعلى إلى الأدنى ، وإن كان ذلك في كفارة محظور ، أجزأه بدنة ؛ لأن الدم الواجب فيه ما استيسر من الهدي ، وهو شاة ، أو سبع بدنة ، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتمتعون ، فيذبحون البقرة عن سبعة ، قال جابر : (كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذبح البقرة عن سبعة ، نشترك فيها) . وفي لفظ (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر ، كل سبعة منا في بدنة) رواه مسلم . ومن وجبت عليه بقرة ، أجزأته بدنة : لأنها أكثر لحما وأوفر . ويجزئه سبع من الغنم ؛ لأنها تجزئ عن البدنة ، فعن البقرة أولى . ومن لزمه بدنة ، في غير النذر وجزاء الصيد ، أجزأته بقرة ؛ لما روى أبو الزبير ، عن جابر ، قال : كنا ننحر البدنة عن سبعة . فقيل له : والبقرة ؟ فقال : وهل هي إلا من البدن ، فأما في النذر فقال ابن عقيل : يلزمه ما نواه : فإن أطلق فعنه روايتان ؛ إحداهما ، تجزئه البقرة ؛ لما ذكرنا من الخبر . والأخرى ، لا تجزئه إلا أن يعدم البدنة . وهذا قول الشافعي ؛ لأنها بدل ، فاشترط عدم المبدل . والأولى أولى ؛ للخبر ، ولأن ما أجزأ عن سبعة في الهدايا ودم المتعة ، أجزأ في النذر بلفظ البدنة ، كالجزور . ويجوز أن يشترك السبعة في البدنة والبقرة سواء كان واجبا أو تطوعا, وسواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم وأراد الباقون اللحم وقال مالك: لا يجوز الاشتراك في الهدي وقال أبو حنيفة: يجوز إذا كانوا متفرقين كلهم, ولا يجوز إذا لم يرد بعضهم القربة وحديث جابر يرد قول مالك ولنا على أبي حنيفة أن الجزء المجزي لا ينقص بإرادة الشريك غير القربة فجاز, كما لو اختلفت جهات القرب فأراد بعضهم المتعة والآخر القران ويجوز أن يقتسموا اللحم لأن القسمة إفراز حق, وليست بيعا. قال: [ وما لزم من الدماء فلا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني من غيره ] هذا في غير جزاء الصيد فأما جزاء الصيد, فمنه جفرة وعناق وجدي وصحيح ومعيب وأما في غيره مثل هدي المتعة وغيره, فلا يجزئ إلا الجذع من الضأن وهو الذي له ستة أشهر والثني من غيره, وثني المعز ما له سنة وثني البقر ما له سنتان وثني الإبل ما له خمس سنين وبهذا قال مالك, والليث والشافعي وإسحاق, وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال ابن عمر والزهري: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء وقال عطاء, والأوزاعي: يجزئ الجذع من الكل إلا المعز ولنا على الزهري ما روى عن أم بلال بنت هلال, عن أبيها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يجوز إلا الجذع من الضأن أضحية) وعن عاصم بن كليب قال: (كنا مع رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقال له مجاشع من بني سليم, فعزت الغنم فأمر مناديا فنادى: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: إن الجذع يوفي ما توفي منه الثنية) وعن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تذبحوا إلا مسنة, إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعا من الضأن) رواهن ابن ماجه وروى حديث جابر مسلم وأبو داود وهذا حجة على عطاء والأوزاعي وحديث أبي بردة بن نيار حين (قال: يا رسول الله, إن عندي عناقا جذعا هي خير من شاتي لحم فقال: تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك) أخرجه أبو داود, والنسائي وفي لفظ: إن عندي داجنا جذعة من المعز قال أبو عبيد الهروي قال إبراهيم الحربي: إنما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي لأنه ينزو فيلقح فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يصير ثنيا. ويمنع من العيوب في الهدي ما يمنع في الأضحية قال البراء بن عازب: (قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها, والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والكسيرة التي لا تنقى قال: قلت: إني أكره أن يكون في السن نقص قال: ما كرهت فدعه, ولا تحرمه على أحد) رواه أبو داود والنسائي وبهذا قال عطاء قال: أما الذي سمعناه فالأربع, وكل شيء سواهن جائز ومعنى قوله: " البين عورها " أي انخسفت عينها وذهبت فإن ذلك ينقصها لأن شحمة العين عضو مستطاب فلو كان على عينها بياض ولم تذهب العين, جازت التضحية بها لأن ذلك لا ينقصها في اللحم والعرجاء البين عرجها: التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم ومشاركتهن في العلف ويهزلها والتي لا تنقى: التي لا مخ فيها لهزالها والمريضة: قيل هي الجرباء لأن الجرب يفسد اللحم وظاهر الحديث أن كل مريضة مرضا يؤثر في هزالها, أو في فساد لحمها يمنع التضحية بها وهذا أولى, لتناول اللفظ له والمعنى فهذه الأربع لا نعلم بين أهل العلم خلافا في منعها ويثبت الحكم فيما نقص أكثر من هذه العيوب بطريق التنبيه فلا تجوز العمياء لأن العمى أكثر من العور ولا يعتبر مع العمى انخساف العين لأنه يخل بالمشي مع الغنم, والمشاركة في العلف أكثر من إخلال العرج ولا يجوز ما قطع منها عضو مستطاب كالألية لأن ذلك أبلغ في الإخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين فأما العضباء وهي ما ذهب نصف أذنها أو قرنها, فلا تجزئ وبه قال أبو يوسف ومحمد في عضباء الأذن وعن أحمد: لا تجزئ ما ذهب ثلث أذنها وبه قال أبو حنيفة وروي عن علي وعمار وسعيد بن المسيب, والحسن تجزئ المكسورة القرن لأن ذهاب ذلك لا يؤثر في اللحم فأجزأت, كالجماء وقال مالك: إن كان يدمي لم يجز وإلا جاز ولنا, ما روى علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يضحى بأعضب الأذن والقرن) رواه النسائي وابن ماجه قال قتادة: فسألت سعيد بن المسيب فقال: نعم العضب النصف فأكثر من ذلك ويحمل قول علي رضي الله عنه ومن وافقه, على أن كسر ما دون النصف لا يمنع. ويجزئ الخصي سواء كان مما قطعت خصيتاه أو مسلولا وهو الذي سلت بيضتاه, أو موجوءا وهو الذي رضت بيضتاه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أملحين موجوءين والمرضوض كالمقطوع ولأن ذلك العضو غير مستطاب وذهابه يؤثر في سمنه, وكثرة اللحم وطيبه وهو المقصود ولا نعلم في هذا خلافا وتجزئ الجماء وهي التي لم يخلق لها قرن وحكي عن ابن حامد أنها لا تجزئ لأن عدم القرن أكثر من ذهاب نصفه والأولى أنها تجزئ لأن القرن ليس بمقصود, ولا ورد النهي عم عدم فيه وتجزئ الصمعاء وهي التي لم يخلق لها أذن أو خلقت لها أذن صغيرة كذلك وتجزئ البتراء, وهي المقطوعة الذنب كذلك. ويكره أن يضحي بمشقوقة الأذن أو ما قطع منها شيء أو ما فيها عيب من هذه العيوب التي لا تمنع الإجزاء لقول علي رضي الله عنه: أمرنا أن نستشرف العين والأذن ولا يضحي بمقابلة, ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن قلت: فما المدابرة؟ قال: يقطع مؤخر الأذن قلت: فما الخرقاء؟ قال: يشق الأذن قلت: فما الشرقاء؟ قال: يشق أذنها للسمة رواه أبو داود والنسائي قال القاضي: الخرقاء التي انثقبت أذنها والشرقاء التي تشق أذنها وتبقى كالشاختين وهذا نهي تنزيه ويحصل الإجزاء بها, لا نعلم في هذا خلافا. يستحب لمن أتى مكة أن يطوف بالبيت لأن الطواف بالبيت صلاة والطواف أفضل من الصلاة والصلاة بعد ذلك يروى عن ابن عباس, قال: الطواف لكم يا أهل العراق والصلاة لأهل مكة وقال عطاء: الطواف للغرباء والصلاة لأهل البلد قال: ومن الناس من يقول: يزور البيت كل يوم من أيام منى ومنهم من يختار الإقامة بمنى لأنها أيام منى واحتج أبو عبد الله بحديث أبي حسان, عن ابن عباس (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفيض كل ليلة). ويستحب لمن حج أن يدخل البيت ويصلي فيه ركعتين كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يدخل البيت بنعليه, ولا خفيه ولا الحجر أيضا لأن الحجر من البيت ولا يدخل الكعبة بسلاح قال: وثياب الكعبة إذا نزعت يتصدق بها وقال: إذا أراد أن يستشفي بشيء من طيب الكعبة فليأت بطيب من عنده, فليلزقه على البيت ثم يأخذه ولا يأخذ من طيب البيت شيئا, ولا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل فيه من الحل كذلك قال عمر وابن عباس رضي الله عنهما, ولا يخرج من حجارة مكة وترابها إلى الحل والخروج أشد إلا أن ماء زمزم أخرجه كعب. قال أحمد كيف لنا بالجوار بمكة قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنك لأحب البقاع إلى الله عز وجل, ولولا إني أخرجت منك ما خرجت) وإنما كره الجوار بمكة لمن هاجر منها وجابر بن عبد الله جاور بمكة وجميع أهل البلاد ومن كان من أهل اليمين ليس بمنزلة من يخرج ويهاجر أي لا بأس به وابن عمر كان يقيم بمكة قال: والمقام بالمدينة أحب إلي من المقام بمكة لمن قوي عليه لأنها مهاجر المسلمين وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شفيعا يوم القيامة). ويستحب زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- لما روى الدارقطني, بإسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من حج فزار قبري بعد وفاتي, فكأنما زارني في حياتي) وفي رواية: (من زار قبري وجبت له شفاعتي) رواه باللفظ الأول سعيد حدثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر وقال أحمد, في رواية عبد الله عن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام): وإذا حج الذي لم يحج قط - يعني من غير طريق الشام - لا يأخذ على طريق المدينة, لأني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق ولا يتشاغل بغيره ويروى عن العتبي, قال: كنت جالسا عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ** فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ** فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم انصرف الأعرابي فحملتني عيني, فنمت فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم فقال: يا عتبي, الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ويستحب لمن دخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى ثم يقول: (بسم الله, والصلاة والسلام على رسول الله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لي, وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال مثل ذلك وقال: وافتح لي أبواب فضلك) لما روي عن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمها أن تقول ذلك إذا دخلت المسجد ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة, وتستقبل وسطه وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا نبي الله, وخيرته من خلقه وعباده أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة, وعبدت الله حتى أتاك اليقين فصلى الله عليك كثيرا كما يحب ربنا ويرضى, اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدا من النبيين والمرسلين وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم إنك قلت وقولك الحق: ولا يستحب التمسح بحائط قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تقبيله قال أحمد: ما أعرف هذا قال الأثرم: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- يقومون من ناحية فيسلمون قال أبو عبد الله: وهكذا كان ابن عمر يفعل قال: أما المنبر فقد جاء فيه يعني ما رواه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القارئ, أنه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من المنبر ثم يضعها على وجهه. ويستحب لمن رجع من الحج أن يقول ما روى البخاري عن عبد الله بن عمر (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة, يكبر على كل شرف من الأرض ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون, صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده).
|